Gho0o0oSt نائب المدير العام
عدد الرسائل : 1091 العمر : 37 الإقامة : فى قلب حبيبى Ads : <script type="text/javascript"><!--google_ad_client = "pub-6559512130528083";google_ad_slot = "1777464515";google_ad_width = 300;google_ad_height = 250;//--></script><script type="text/javascript"src="http://pagead2.googlesyndication.com/pagead/show_ads.js"></script> تاريخ التسجيل : 04/10/2007
| موضوع: خطاب الإسلاميين ومعضلة مفهوم الدولة 2007-11-05, 19:32 | |
| هل كان النموذج التاريخي للدولة الإسلامية نموذجا عقديا يماثل الدولة الدينية التي عرفتها العديد من المجتمعات في التاريخ القديم والوسيط، أم هي دولة الجماعة المسلمة وليست لها في ذاتها طبيعة دينية؟
لا شك أن هذا السؤال قد شغل الفكر العربي ـ الإسلامي المعاصر أكثر من أي سؤال آخر. ومن دون الخوض فيه بالتفصيل نلاحظ إجمالا أن أغلب وجوه الفكر الإسلامي المعاصر وان أكدت صراحة ووضوحا على غياب الدولة الدينية في الإسلام، إلا أن تصوراتها لشأن الحكم لا تخرج إلا نادرا عن أحد نموذجين هما إما نموذج «الخلافة» بحسب مقاييس السياسة الشرعية الوسيطة أو الأحكام السلطانية، أو نموذج «الحاكمية الإلهية» ـ أي الدولة التي يحكمها القانون الإلهي وتصبح فيها السيادة والشرعية للنص المنزل لا الأمة الشارعة.
لدى الجيل الأول من الإخوان المسلمين نلاحظ أنها بلورت لأول مرة المفهوم السياسي للإسلام شعار «الإسلام دين ودولة» لكنها لم تخرج في الغالب عن الأطر النظرية للأحكام السلطانية. فحسن البنا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين) لم يركز في أدبياته على الشأن السياسي الذي لم يفرد له في أعماله سوى رسالة مختصرة حول نظام الحكم يجمل فيها دعائم هذا النظام في ثلاث هي: مسؤولية الحاكم (كمسؤول عن الرعية)، ووحدة الأمة، واحترام إرادتها.
ويكتفي البنا في عرض أفكاره بالاستناد إلى مفاهيم وشعارات عامة تحض على العدالة والشورى من دون أن يحدد الموقف من طبيعة النموذج الذي بدأ يتشكل في عصره، أي الدولة الوطنية الليبرالية، من حيث إشكالات الشرعية والتنظيم السياسي والعلاقة بالمجتمع. ومن الواضح أن مرجعية البنا الفكرية لم تخرج عن الأحكام السلطانية في نظرته لهذه الدولة ذات الخلفية والطبيعة المغايرة. فلئن كان يقف عند طبيعة النظام الدستوري النيابي للدولة الحديثة، ولا يرى فيه إجمالا ما يتعارض مع الإسلام، إلا أنه ينظر إلى هذه التحولات الحديثة من منظور اصطلاحات الماوردي (وزارة التنفيذ ووزارة التقويض ومشورة أهل الحل والعقد).
ولعل تلميذ البنا، عبد القادر عودة، هو أول من بلور النظرية الإخوانية للسلطة في كتابه المشهور «الإسلام وأوضاعنا السياسية» الصادر عام 1931. ولئن كان عودة يرجع في تصوره للدولة الإسلامية المنشودة للأحكام السلطانية (دولة الخلافة الحارسة للدين والمقيمة لمصالح العباد) إلا أنه يدشن المقاربة الديمقراطية للشأن السياسي السائدة لدى الإخوان حاليا، أي التركيز على الجوانب المتعلقة بالقوانين والحدود الجنائية واعتبارها مصدر شرعية الدولة المسلمة.
يقول عودة: «إن الإسلام يلزم الناس اتباع ما أنزل الله ويوجب عليهم أن يتحاكموا إلى ما جاء من عند الله ويحكموا به وحده دون غيره، وليس لذلك معنى إلا أن الحكم هو الأصل الجامع في الإسلام، والدعامة الأولى التي يقوم عليها الإسلام.. إن الإسلام ليس عقيدة فقط، ولكنه عقيدة ونظام، وليس دنيا فحسب ولكنه دين ودولة».
وقد سعى يوسف القرضاوي في حتمياته التي صدرت منذ نهاية الستينات إلى تفصيل هذه الأطروحة من خلال ثقافته الفقهية الواسعة وأسلوبه التعبوي المبسط. فبالنسبة للقرضاوي لا يستقيم المشروع الإسلامي من دون دولة تحتضنه، وهذه الدولة هي التي تحكمها الشرائع الإسلامية. ولئن كانت كتابات القرضاوي الأولى قد تزامنت مع أعمال الأخوين سيد قطب ومحمد قطب، إلا أنها اختلفت عنها في التركيز على هذا البعد التشريعي الفقهي، في حين أرست حاكمية قطب تصورا راديكاليا انقلابيا للنظام الإسلامي، يقوم على القطيعة مع المجتمع الإسلامي المنحرف (جاهلية القرن العشرين) ومع الحداثة الغربية التي لا يرى فيها إلا غزوا وافدا مرفوضا، فـ«الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات.. مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهل».
إذن، فالمجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام، عقيدة وعبادة، شريعة ونظاما، وخلقا وسلوكا. والمجتمع الجاهلي هو الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته وقيمه وموازينه، ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه.
وقد سار الخطاب السياسي للحركات الإسلامية في الاتجاهين، فانتهي في صيغته «المنفتحة» إلى نمط من الأحكام السلطانية بالمنظور الجديد (رفع الشورى إلى مبدأ الوجوب والإلزام مع قبول النظام النيابي ولو في ظل حكومة تحكم بالإسلام بحسب التصنيف المذكور). وانتهى في أكثر صيغة انغلاقا إلى الإرهاب الأصولي الراديكالي المدمر (نموذج التحالف بين حكومة طالبان وتنظيم القاعدة).
إن ما نريد أن نشير إليه هنا هو أن الفكر الإسلامي المعاصر تأرجح بطريقة ملتبسة ما بين مقاييس الأحكام السلطانية في نظرتها للدولة، والتي كانت مؤطرة بتجربة دولة الخلافة أو الدولة السلطانية والتصورات القانونية للدولة الحديثة، من دون تبين خيوط الفصل بين نموذجي الدولة واستتباعات هذا الفصل المنهجية والنظرية.
نلمس هذا التأرجح جليا في تحديد طبيعة النظام السياسي في الإسلام: هل يشكل مقوما من مقوماته الذاتية وأصوله العقدية، أم هو «إطار لتنظيم» شؤون المجتمع المسلم وضرورة سياسية واجتماعية وليس «أصلا عقديا» أو التزاما شرعيا؟ فالإسلاميون المعاصرون وإن شكلت أدبيات السياسة الشرعية مخزونهم الفقهي الذي يتسلحون به، إلا أنهم نادرا ما يقفون عندها في تحديد مبحث الإمامة الذي يقصر عن القول بالدولة الإسلامية التي هي الطبعة الإسلامية للدولة القومية الحديثة.
ويرجع الإشكال إلى طبيعة النظرة الراهنة للنموذج التاريخي للدولة الإسلامية، التي تعبر تلك الأدبيات عنه. ولا يمكن بداهة فصل المسألة الدينية ـ السياسية عن المناخ العقدي والسياسي للصراعات التاريخية الحادة التي مزقت الأمة منذ نهاية الخلافة الراشدة.
لقد أفضى هذا السياق التصادمي إلى تحطيم الحاجز بين العقدي والآيديولوجي في التصورات الدينية للمسألة السياسية. ولنشر هنا إلى أن التراث السياسي الإسلامي الوسيط يتوزع إلى ثلاث مدارس متمايزة هي: الفلسفة السياسية، والآداب السلطانية، والأحكام السلطانية.
أما المبحث الفلسفي فلا يختلف عن مألوف الفكر اليوناني في نسخته الافلاطونية أساسا، وإشكاليته هي رسم المدينة الفاضلة، التي تنسجم والنظام العقلي للوجود، وغايتها هي تحصيل السعادة الفردية والجماعية.
أما الآداب السلطانية المستوحاة في الغالب من التراث الفارسي، فتندرج في سياق أدبيات مرايا الحكام بما تتضمنه من نصائح عملية لتدبير الحكم وافتكاك السلطة والحفاظ عليها.
وأما الأحكام السلطانية فهي جانب الإمامة وشروطها وموانعها ونواقضها.
وإذا استثنينا الجانب الفلسفي الذي لم يكن له تأثير يذكر في التجربة التاريخية للمجتمع الإسلامي (لأسباب لها علاقة بخلفية نشأة وحضور المبحث الفلسفي في السياق الإسلامي) فإن السياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية لم تتجاوز في الغالب إضفاء الشرعية البعدية على تجارب شديدة التمايز والاختلاف من حيث تركيبة الحكم وعلاقة السلطة بالمجتمع الأهلي، في حين لم تعن مرايا السلاطين ونصائح الملوك بمبحث الشرعية وإنما اكتفت بالجانب العملي التدبيري الصرف.
إذن، فما يميز الأحكام السلطانية هو تحديدها لشرعية الدولة التي لا خلاف حول وجوبها بأنها «موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا» حسب عبارة الماوردي الشهيرة. ولا يدخل في اهتمامنا الحالي عرض أحكام الإمامة كما وردت في كتب الفقه والسياسة الشرعية، وإنما سنكتفي بالتعرض للجانب المتعلق بتصور الدولة، من خلال الملاحظات التالية:
* غلطة لويس وغلطة الاسلاميين معه!
1 ـ لئن اعتبر الفقهاء أن نصب الإمامة واجبا، إلا أنهم اختلفوا في طبيعة هذا الوجوب هل هو بالشرع أو العقل أو هما معا. كما اتفقوا على أن الإمامة «موضوعة» وليست «توقيفية» وأنها ليست من أصول العقيدة (على خلاف الشيعة). وينم هذا التصور عن وعي ضمني بانفصال السياسي عن الديني في الهوية والمرجعية، والتقائهما في المقصد والوسيلة، على خلاف التصور الذي يجعل السياسة من محددات الدين نفسه.
ومن هنا ندرك زيف النظرية التي بنى عليها برنارد لويس قراءته للتصور الإسلامي للحكم، وفحواها هو أن الإسلام دين سياسي، تشكل الدولة مقوما عضويا فيه. فبالنسبة له يأخذ الإسلام من اليهودية فكرة القانون الإلهي المنظم لكافة شؤون البشر وإن كان يختلف عنها في بعده الجهادي الرسالي (وجوب نشر الرسالة في العالم ولو بالقوة)، كما يختلف عن المسيحية التي يقترب منها روحيا في كونه أقام دولة ولم ينجح في تأسيس كنيسته.
ويخلص لويس من هذه القراءة التصنيفية إلى أن المجتمع الإسلامي منذ بداية العهد النبوي وطيلة تاريخه ظل مجتمعا له طبيعة مزدوجة سياسية ودينية، لا انفصام بينهما.
إن ما غاب عن برنادر لويس هو أن البنية العقدية والخلفية للإسلام لم تنتج بذاتها نموذجها السياسي المحايث لها، حتى ولو كان من الغلط إنكار تشابك الديني والسياسي في رهانات معقدة، سنشير إلى بعضها. وحاصل الأمر، أن أدبيات السياسية الشرعية نفسها، حتى ولو كانت اعتبرت نصب الإمامة فرض كفاية على الأمة، إلا أنها نظرت للدولة في طبيعتها القهرية التحكمية التي لا يمكن دمجها في البعد الديني نفسه. لهذا السبب المحوري، ظل الانفصال قائما طيلة التاريخ الإسلامي بين المؤسستين الدينية والسياسية، ولم تندمجا في شكل مؤسسي جامع. ولذا لا يمكن النظر إلى الانفصال الحالي بأنه مستحدث وناتج عن التأثر بالعلمانية الغربية.
بل إن رضوان السيد يخلص من دراساته المعمقة للفكر السياسي الإسلامي الوسيط وتجربة الدولة السلطانية، الى أن تاريخ السلطة الإسلامية مع الشريعة «هو تاريخ صراعي أو نزاعي أفضى إلى انفصال السياسة عن الفقه وأحيانا عن الشريعة، وقيام مجالين أحدهما سياسي والآخر شرعي، وقد سلم كل من الطرفين للآخر بمجاله، واستمر التجاذب على أطراف المجالين حسب توازن القوى والظروف». | |
|